‘أصوات’ في أكبر محطة للطاقة الريحية في افريقيا
الزمان: أبريل 2014, المكان: جنوب المغرب.. تحديدا أكثر في مزرعة كبيرة تمتد مساحتها على آلاف الهكتارات مزروعة بنوع واحد من الأشجار أو لنقل الأعمدة الضخمة التي تشبه في اتساقها أشجار الخيزران, في أعلى كل عمود تبدو ثلاثة عقارب لا تقل ضخامة عنه و هي في منتهى الاستسلام للرياح القادمة من كل صوب.. تلك الرياح التي تجعل لهذه الأعمدة ثمارا ناضجة يقطفها الإنسان ليهنأ باستغلالها واستهلاكها على شاكلة باقي أنواع الأشجار المثمرة.
أخفنير.. الرياح ترحب بكم !
وصلنا إلى أخفنير بعد منتصف النهار بقليل بعد رحلة استمرت حوالي الساعتين و النصف انطلاقا من العيون, كان هزيز الرياح حادا كما لو أنها تدلل على صواب اختيار المكان لإقامة مزرعة تتحول فيها الريح إلى طاقة.
محطة أخفنير للطاقة الريحية تمتد على مساحة تقدر بألفي هكتار و حسب محمد بنعصمان الذي أشرف على المشروع فإنها تتوفر على 61 مولدا للطاقة الريحية, هذه المولدات التي شرح لنا بنعصمان كيف تم اختيار مواقع كل منها و مراحل تهيئة مواقعها و إحضارها و تركيبها و هي مراحل معقدة استلزمت خبرة و إمكانيات كبيرة وفرتها شركة ناريفا القابضة قبل أن تصل إلى المرحلة الحالية و هي مرحلة إنتاج الطاقة.
طرفاية.. الأكبر افريقيا !
على بعد مئة كيلومتر من أخفنير, توجد مزرعة طرفاية وهي فصل من فصول مجد يصنعه المغرب على أجنحة الرياح التي تحلق به في أعالي الريادة الطاقية إقليميا و قاريا.
فمحطة طرفاية تعد الأكبر على الصعيد الافريقي بعدما تفوقت على نظيرتها بأشيغودا بإثيوبيا وقد رصد لإنشائها مبلغ مالي يقدر بخمسة ملايير درهم.
بسواعد مغربية نبت في هذه المحطة 131 مولدا كهربائيا أو 'توربينة' كما يحلو لبعض سكان المنطقة تسميتها نسبة إلى اسمها باللغة الفرنسية Turbine, و تمتد مزرعة طرفاية على مساحة 10 آلاف هكتار تحاذي المحيط الأطلسي الذي يرسل سلاسله البيضاء بسخاء ظاهر على حواف الرمال الذهبية.
محطة طرفاية ستمكن من تغطية حاجيات الكهرباء لمئات الآلاف من السكان كما يمكنها تغطية احتياجات مدينة بحجم مراكش الحمراء, و هو مشروع يجسد عزم المغرب على تغطية 42 بالمائة من حاجياته بواسطة الطاقات المتجددة بحلول العام 2020 كما أكد ذلك في تصريح لأصوات أحمد نقوش المدير العام للشركة القابضة "ناريفا هولدينغ" التي تشرف على هذه المشاريع مضيفا أن العمل بمحطة طرفاية سيبدأ بشكل كامل مع نهاية العام الجاري.
فم الواد.. قصة نجاح أخرى !
تركنا طرفاية تعزف سمفونية الرمال كما قال عاشقها الطيار و الأديب الفرنسي أنطوان دي سانت إكزيبيري, و اتجهنا صوب مدينة العيون حيث يفتح 'فم الواد' هوالآخر مساحته الشاسعة أمام تلك الأعمدة الضخمة النابتة بكل أنفة, تدور مراوحها في عنان سماء صافية الزرقة.
نوفل المجدوبي المهندس الذي كلفته شركة ناريفا القابضة بالإشراف على المشروع بدا فخورا جدا وهو يتحدث عن الوقت الذي أمضاه في هذه الرحبة الهوائية و هو يشرف على زراعتها بمولدات طاقية بقوة 50،6 ميغاوات, ووفق نوفل المجدوبي أيضا فإن العمل انطلق بهذه المحطة منذ سنة 2013 وهي تضم 22 مولدا للطاقة.
الرياح.. مصدر الحياة !
من قال إن الرياح ليست مصدرا للحياة؟
سؤال طرحه 'الغالي' و هو صاحب متجر للمواد الغذائية بمنطقة أخفنير, قبل أن يضيف أن إحداث هذا المشروع الكبير بمنطقتهم ساهم في ازدياد مدخوله و ارتفاع عدد الزبائن الذين يقبلون على متجره, نفس الامتنان كان باديا في عيني 'سالم' الذي أتاح له العمل كحارس بمزرعة أخفنير الهوائية مصدر رزق قار مكنه من فتح بيت و تكوين أسرة.. و بالإضافة إلى سالم و الغالي فإن إحداث هذه المشاريع الطاقية هنا انعكس بشكل إيجابي على المنطقة سواء اجتماعيا أو اقتصاديا, حيث أسهمت في توسيع شبكة الطرق و فك العزلة عن عدة تجمعات سكنية كما وفرت مناصب شغل مباشرة و غير مباشرة لمئات الأشخاص من سكان الأقاليم الجنوبية للمغرب.
في المغرب.. لا مستحيل !
في رواية الأديب الإسباني الشهير دي ثيربانتيس كان دون كيشوط دي لا مانشا يتوهم أن طواحين الهواء هي بمثابة شياطين ذات أذرع هائلة و يعتقد أنها مصدر الشر في هذه الدنيا.. و لو كان دون كيشوت من شخصيات عصرنا هذا لغير رأيه حتما لأن طواحين الهواء أضحت مصدرا للطاقة و الحياة و الاستثمارات الضخمة هنا بالأقاليم الجنوبية للمغرب.. هنا حيث لا صوت يعلو على صوت الرياح و لا شيء يتجاوز سرعتها سوى سرعة الإرادة المغربية التي لا تؤمن بالمستحيل.
اعتماد سلام من العيون,طرفاية و أخفنير.


